عنف معماري: مرويّات الاسرى الفلسطينين

video thumb
مقتطفات مشوهة من الذاكرة
انقر على الصورة لتكبيرها

سجن المسكوبية

المسكوبية أو المجمّع الروسي في القدس,هي إحدى أقدم المناطق في وسط مدينة القدس، تعود فترة إنشائها إلى نهاية الحقبة العثمانية في فلسطين. تم بناء المجمع في عام 1864 وبعد سقوط القدس بيد الجيش البريطاني عام 1917، أصبح المجمع مركزا للإدارة الحكومية التابعة للإنتداب البريطاني. وقد حولت الشرطة البريطانية نزل الرجال فيه الذي يتسع لحوالي 300 شخص إلى مقر لها ولاستخباراتها وإلى مركز للتوقيف.

وصف المشروع

على مر السنين شهدنا كل أعمال العنف من قبل الاحتلال الإسرائيلي والتي تهدف إلى إذلال الفلسطينيين وإجبارهم على الاستسلام, وخصوصا داخل السجون.نهدف إلى فهم كيفية استخدام الإسرائيليين لمساحة السجن وهندسة سجونهم لتحقيق كل ما سبق. نريد أن نكون أكثر تحديدًا وأن ننظر إلى المسكوبية من منظور آخر ، وهي نظرالمقدسيين الذين سُجنوا في المسكوبية.

انقر على الصورة لتكبيرها

البحث التاريخي

تمكنا من العثور على مخطط للمجمع الروسي الذي يعود إلى القرن التاسع عشر (عصر الإمبراطورية العثمانية) ، والتي ساعدتنا في تخيل شكل السجن في ذلك الوقت, و مقارنته بمخطط الطابق الارضي للمحكمة و التي تقع جنوب السجن.

انقر على الصورة لتكبيرها

نتائج المقابلات

من خلال المقابلات مع الاسرى, تمكنا من الحصول على رسومات تصف حركة السجناء في فراغات السجن, و قمنا باسقاطها على مخطط واحد.
بعد اجراء عدة مقابلات مع اسرى المسكوبية و عقد حوار يضم ٣ مجموعات قامت بعكس أقوال الأسرى بمخططات و فراغات معمارية، حاولنا فيها دمج المقترحات للمسكوبية للحصول على مقترح لفراغ واحد ، تبين لنا ان المخططات لا تنطبق بشكل كامل و انا التجارب تختلف.

انقر على الصورة لتكبيرها

الاستنتاج

ان السبب في تضارب الرسومات هو نجاح السجن في تشويه الذاكرة عند الأسير , و يظهر ذلك من خلال اشتراك الاسرى في التجربة عند المدخل و تلاشيها وصولنا للزنازين, و هذا يعني ان أقوال اَي أسير تعتبر صحيحة ولو تضارب انعكاسها على المخططات مع غيرها من التجارب المتشابهة ، فالتطبيق العملي لهذه التجربة هو الذي يتتضارب اما التجربة فلا ، لانها تعتبر ناتج خاص . لذلك قمنا بعكس ٦ مرويات( مقتطفات) مشوهة من ذاكرة الاسرى بصور تعبر عن المشاعر التي انتابتهم اثناء محكوميتهم في سجن المسكوية.

المدخل 1

يخبرنا أسير آخر عن تجربة دخوله التي كانت من جهة وباب مختلفين. فقد دخل المبنى مباشرة صاعداً عدة درجات ليمر من الأمانات والتفتيش بالتتالي ويصل للعيادة بعد إجراء عدة فحوصات. عُصبت عيناه واقتاد نحو الأسفل عبر درج طويل على يمين غرفة العيادة كما وصف. يستنتج الأسير بحواسه أنهم يسيرون بممرات طويلة وعلى جوانبها جدران بزنازين مرصوصة سيكون مصيره إلى واحد منها.

المدخل 2

يخبرنا الأسير عن بوابة المسكوبية وتجربة عبوره من غرفة الزينكو بمدخل ومخرج متعامدين حيث يدخل من الجانب ليجد بعدها سياج من الشبك في فراغ انتقالي لكي لا يصل من باب المدخل الخارجي إلى الباب المصفح التالي مباشرة. يجد الأسير أمامه باباً سميكاً مصفحاً يؤدي به إلى داخل المبنى ليجد نفسه في (لوبي) ردهة بأبواب للأمانات والتفتيش والحرس وممر لغرفة الزيارات وآخر يقود للداخل. يتم إخضاعه للتفتيش العاري بلا أي ملابس وأمام نظر الجنود ثم يقتاد بعدها معصوب العينين عبر ممرات إلى زنزانته في بقعة من المبنى لا يعلم مكانها أو كيف وصلها.

ھاي ھي زنزانتي؟

إيهام السجان لأسير آخر بأن زنزانته ستكون غرفة مرحاض بطول ١ متر و ١٦٠ سم حيث يتركه فيها ويغيب عنه لمدة طويلة فيفقد الأسير أعصابه حتى يعود السجان بعد مدة ويأخذه إلى زنزانته الفعلية.

الزنزانة

يتحدث أحد الأسرى عن تجربة الزنزانة كأول ما خطر بباله عند مقابلتنا له. باب حديدي سميك بشباك صغير مغلق وفتحة تمرير الطعام و(سقاطة) وأقفال يعبرها ليبقى في وحدة مع أفكاره، جدران غرفته، وأحياناً فتحة التنصت كما وصفها بزاوية الغرفة. سألناه ما إذا كان هناك غرف قريبة أو مساجين يستطيع سماعهم، فأجاب بأن معظم وقته كان في صمت لا يسمع شيئاً. لكن يأتي وقت وتبدأ ضجة التعذيب على مقربة من غرفته فلا يعد يعلم إذ هو وحيد لا أسرى معه أم هناك من يأنس بقربه لكن يتعذب الآن ومن يدري متى دوره. بحكم خبرته فهذه مسرحية يؤديها الاحتلال للعب على أعصاب الأسرى. فيبدأ الأسير يتخيل الغرف وقاطنيها من الأسرى الآخرين في فراغ لا يعلم شرقه من غربه ولا ليله من نهاره. فهو تائه فيه (في اللامكان). يتحدث عن المصباح المتدلي والمحمي بالشبك كي لا يستطيع اطفائه وكم هو مزعج للنظر. يقضي وقته تحته محاولاً للنوم. يأتي السجان ليأخذه للتحقيق يعصب عينيه ويدور به في أروقة السجن إلى أن يصل ويخضع للتحقيق ثم يعود أدراجه إلى زنزانته بنفس الحيرة.

مشوار التحقيق

أحد الأسرى كان يتذكر التفاصيل لرحلته فبداية تذكر إحساسه بعبور ممر مرصوص بالزنازين على الجانبين وأنه أدخل في أحد الزنازين على الجهة اليسرى تحديداً. قضى بعض الوقت هناك إلى أن جاء السجان ليأخذه إلى التحقيق فعصبه وخرج به. يذكر الأسير سيره ٢٠ متر تقريباً ثم صعوده درجتين ثم ١٠ أمتار ثم الاستدارة لليمين وصعود درج بشاحطين كل منهما ٦ درجات. يصل غرفة التحقيق كالبقية ومن ثم يعود أدراجه في نفس المسار هذا دون أن يستطيع معرفة ماهية الفراغ السفلي للمسكوبية غير التفاصيل التي وصفها.

اللحظات العالقة في ذهن الاسير

هناك أسرى يسردون التجربة الأولى.. فهذا الأسير يتذكر أو يحاول تذكر تفاصيل المشاهد في رأسه والتي علقت من الرعب كما وصفها. يصف الساحة المغلقة المحاطة بجدران وسياج عال بشبك كثيف والباب الحديدي السميك بأقفاله وعلامات قدمه وضربه. يذكر كيف مشى في ممرات بعدد لا يعلمه من الزنازين على الجانبين ويصف زنزانته وكيف لم تتسع له وأنه في حال مد يديه ستضرب الحائط. كما ذكر إيهام السجانين له بأن زنزانته ستكون غرفة مرحاض بطول ١ م و ١٦٠ سم.. فيفقد أعصابه حتى يعود السجان بعد مدة ويأخذه إلى زنزانته الفعلية.