مقدّمة
يتمّ نقل السجناء الأمنييّن الفلسطينيّين من مكان إلى آخر باستخدام البوسطة (أي الحافلة). وتحدث عملية النقل هذه لمعظم الأسرى، إن لم يكن جميعهم، وهي عمليّة يصفها الكثير من الأسرى كواحدة من أقسى التجارب خلال مدة السجن، حيث يجلسون في زنازين متنقّلة لساعات في ظروف مادّية ونفسيّة شديدة القسوة، بينما تصبح العربة نفسها أداة للتعذيب. لقد وجدنا خلال أبحاثنا الكثير من حكايات البوسطات، لكنّنا وثّقنا أربع حكايات منها. في هذا العرض، سنقوم بعرض حكايتَين تمثّلان انتهاكات حقوق الإنسان التي تتكرّر في البوسطات، من خلال تجارب اثنين من السجناء المحرّرين في بوسطتَين مختلفتَين.
أنواع البوسطات:
النوع 1 (جي.إم.سي. سافانا) 7 أسرى.
النوع 2 (مرسيدس بنز) 7 أسرى.
النوع 3 (إفيكو ستراليس 500) 29 أسيراً
النوع 4 (داف إس. بي. 400) 44 أسيراً
الحكاية 1
ت. ك. "خلال عمليّات التحويل هذه، الجزء المرعب هو أنّك كمريض، أو المرضى عموماً، يكون لديك أحياناً دواء أو أدوية يجب أن تأخذها في وقت محدّد، ولا يمكنك أخذها داخل البوسطة. جلست مرّة داخل البوسطة لمدّة ثماني ساعات. هناك طبيب، وعيادة، وما إلى هنالك، ولكنّهم يقدمون أعذاراً مثل "الوصول إلى وجهتنا سيستغرق وقتاً طويلاً"، أو "وثائقك غير جاهزة للتوجّه إلى العيادة"، لذا تظلّ محروماً من دوائك إلى حين انتهاء الإجراءات كافّة".
مريض السكري ذو الخمس وعشرين سنة، الذي تمّ تشخيص مرضه في عيادات مصلحة السجون، كان في بوسطة من نوع جي.إم.سي، التي تستخدم عادةً في نقل الأسرى من مراكز التحقيق إلى السجون. وكان ينتقل من المسكوبيّة إلى سجن عوفر، وقد استغرقت هذه الرحلة خمس ساعات. وخلال وجوده في زنزانة جي.إم.سي، حان وقت تناول دوائه اليومي للسكّري.
طلب ت.ك. من ضباط "النحشون" (وحدات تابعة لإدارة السجون مختصة بقمع الأسرى) إعطاءه الدواء، فادّعوا أنّهم لم يسمعوا طلبه ولم يعطِه أحد دواءه، ما أدّى به إلى التبّول، والإغماء، والوقوع على رأسه. في هذه البوسطة، يجلس الأسرى مقابل بعضهم البعض، ويكون التفاعل مع ضباط "النحشون" بالحدّ الأدنى الممكن. هناك فواصل مصنوعة من الفولاذ الصلب، بحيث يمكن لضباط "النحشون" بسهولة أن يسمعوا السجناء ويسكتوهم. نوافذ بوسطة جي.إم.سي عالية، وهي بالكاد تدخل أيّ ضوء أو هواء إلى الداخل.
ت.ك.: "أحياناً تريد أن تأخذ دواءك، ولكن يجب أن تأكل قبل ذلك، فتصاب بالدوار عندما تؤجّل العملية".
الباحث: "هل حدث ذلك معك من قبل؟".
ت.ك.: "نعم، ارتفع السكر في دمي ارتفاعاً كبيراً، وكنت بحاجة إلى شرب الماء، وإلى استخدام المرحاض خلال الرحلة من المسكوبيّة في القدس إلى عوفر في بيتونيا".
الحكاية 2
م.ق.: "في هذا الجزء العلوي من الكرسي، الحافة العليا من الكرسي، نعم، تماماً، كما تجلس أنت".
الباحث: "نعم".
م.ق.: "هذه هي الطريقة التي كنا نجلس فيها معظم الوقت، تمام؟ لذا من النادر أن يتمكن أي شخص من البقاء جالساً مباشرة على الكرسي طيلة الوقت".
كان هذا الشاب الذي يبلغ عمره 26 سنة يجلس في بوسطة من نوع إفيكو ستراليس 500 لنقله من سجن نفحة إلى سجن هداريم. كان ذلك خلال فصل الشتاء، وكانت درجة الحرارة 15 درجة. خلال مدّة بقائه في البوسطة، كان يقف على المقعد في كثير من الأحيان، مثل الآخرين، بسبب برودة الفولاذ ووضعيّة المقعد غير المريحة. عندما يضغط سائق بوسطة إفيكو على المكابح، كان السجين يقع على الأرض ويجرح ساقه. في هذه البوسطة، يجلس جميع السجناء في مساحة شبيهة بالحاوية: الفواصل مصنوعة من الفولاذ الصلب الذي يبثّ البرودة في البوسطة، ما يضع السجناء في حيّز شبيه بالمجمِّدة. النوافذ ضيّقة جداً وهي تحتبس الهواء بطريقة تزيد من درجة البرودة داخل الحاوية.
أمّا المقاعد، فكما ذُكر سابقاً، هي مصنوعة من الفولاذ الذي ينقل الحرارة، وهي مصنوعة في زاوية 90 درجة وغير مطابقة لمعايير الراحة.
م.ق.: "السرعة، السرعة التي كان يقود فيها عندما تمّ إطلاق سراحي لأوّل مرة في 7 نيسان سنة 2016، عندما كانت ساقي اليمنى مصابة بسبب المكابح وحيث وضع القيد، بحيث أنّني لم أتمكّن من التوجّه إلى البيت فوراً، بل اضطررت إلى تلقّي العلاج أوّلاً، ولم أتمكّن من الوصول إلى البيت بالسرعة التي كنت أرغب فيها".