عنف معماري: مرويّات الاسرى الفلسطينين

video thumb
لكلّ فعل ردّ فعل، وبخاصّة داخل السجن.

نبذة

ما وراء تسعة عشر ساعة" – هو عمل استقصائي معماري يسلط الضوء على ال19 ساعة التي يقضيها الأسير الفلسطيني، حسب تقديراته، في غرف تحقيق السجون الإسرائيلية خلال يوم واحد. يكون الأسير فيها " مشبوحا "، أي مربوطا ومثبتا بكرسي خاص لأغراض التحقيق، تمارس ضده خلالها أساليب تحقيق تهدف إلى إيصاله لما يسمى بمرحلة الصدمة، والتي تسمح للمحقق باقتحام عالم الأسير ليقوم بانتزاع الاعترافات منه . تولّد مرحلة الصدمة العديد من ردود الأفعال غير الاعتيادية لدى الأسير الفلسطيني، والتي يعرضها العمل عن طريق زنزانتين خاصّتين وهما زنزانة المجانين – الأشجحا (عبرية) وزنزانة الشبح. وهما زنزانتين يتم استخدامهما كأدوات عقاب للأسرى، والتي يُظهر فيها الأسرى ردود أفعال مبتكرة من قبلهم لتجاوز ظروفهم السيئة.

الزنزانة البيضاء

هي مساحة بيضاء يوضع فيها الأسير وتؤثّر عليه بسبب بياضها. أصبحت الزنزانة تُعرف بالغرفة المجنونة. ويتضمّن التعذيب إبقاء الأسير داخل زنزانة كلّ جدرانها بيضاء. الحرمان من الضوء والحواسّ لا يتمّ فقط من خلال عدم وجود الألوان، بل أيضاً من خلال فرض بيئة من الصمت الكامل. فالغرفة فيها عازل للصوت والأضواء التي تنبثق من صحون مركّبة بطريقة لا تحدث أيّ ظلال. وبعد فترة من الزمن، يبدأ بصر الأسير بالتراجع. رغم أنَّ التعذيب قد يبدو أقلَّ قسوة من العقوبات الجسديّة الأخرى، إلا أنَّ له تأثيرات مضرّة.

زنزانة الشبح

لا تتجاوز مساحة هذه الزنزانة ستّة أمتار مربّعة، ولها جدران رماديّة إسمنتيّة خشنة وإضاءة صفراء مظلّلة. يقع داخلها سرير(برش) له مستويان، ومصنوع من الحديد الصلب، وتجري فيها مياه المجاري. تستخدم هذه الزنزانة للتعذيب بواسطة الشبح، حيث يتمّ تقييد قدمَي ويدَي الأسير بالسلاسل إلى زوايا السرير (البرش)، ويتمّ رفع جسده بالسلاسل. ويُترك الأسير معلّقاً بهذه الوضعيّة لمدّة يومين، بحيث يتمّ فكّ اليد اليسرى بين وقت وآخر لتناول وجبة أو لتدخين سيجارة. يواجه السرير(البرش) باب الزنزانة، ما يمكّن السجّانين من رؤية الأسير بسهولة، والتأكّد من أنَّه لم يتحرّك، أو يحاول فكّ يدَيه أو قدمَيه.

انقر على الصورة لتكبيرها

غرفة التحقيق

خلال المقابلات، يركّز الأسرى على غرفة التوقيف رقم 3، وهي غرفة التوقيف الرئيسيّة. يُترك الأسرى في الغرفة وحدهم، يجلسون في كرسي الشبح لساعات طويلة، بمعدّل ثماني ساعات، وبحدِّ أقصى يصل إلى 19 ساعة، بحسب السجن. وتحتوي غرفة التحقيق على مكتب المحقّق، وكرسي الشبح، ونافذة مؤمَّنة بالحديد، وباب خشبي ومكيّف هواء. يتمّ توجيه المكيّف نحو رأس السجين ورقبته، ما يؤثّر على حواسّه الإدراكية واتزانه الجسدي. وصف الأسرى أساليب التحقيق المستخدمة، وشرحوا بأنَّ المحقّقين كثيراً ما قاموا بالضغط على الرأس والرقبة. كما أنَّهم استخدموا الإهانات والألفاظ النابيَة لاستفزاز الأسير.

انقر على الصورة لتكبيرها
انقر على الصورة لتكبيرها

المنهجيّة

تحليل العلاقة مع القاعدة النفسانية من منظور مكاني باستخدام المقابلات الشخصيّة مع الأسرى، والأساليب غير المباشرة من الذاكرة واستراتيجيات التحفيز مثل الأصوات، والقصص المحكيّة واستخدام النماذج والرسوم.

يعتمد البحث على فهم "نظرية الصدمة" التي طرحها الأسير وليد دقة في كتابه "صهر الوعي". لقد استند البحث إلى شهادتين موثقتين من اثنين من الأسرى، فقد تم التركيز على ردود الفعل التي ابتكرها الأسرى للتخفيف من تعرضهم للانتهاكات النفسية والجسدية في مراحل الاستجواب المختلفة، وذلك في محاولة لمقاومة الصدمة التي عاشوها. توصل البحث إلى تمثيل الفراغات الثلاثة السابقة: الزنزانة البيضاء، زنزانة الشبح، غرفة التحقيق وهي الفراغ الأهم، التي شكلت حيز الصدمة للأسرى. تم العمل على النماذج ثلاثية الأبعاد لتشكيل البيئة التي احتضنت الأحداث لتحفيز ذاكرة الأسرى، ومن ثم بدأنا بتمثيل الأحداث داخل الفراغات، بحيث يمكننا فهم حركة أجساد الأسرى بداخلها.

جمع البيانات

يعتمد هذا البحث على الأسرى كمصدر رئيسي للمعلومات. أجرينا 15 مقابلة بمعدّل ساعة ونصف للمقابلة الواحدة. تجدر الإشارة إلى أنَّ المقابلات أُجريَت خلال جائحة الكورونا، ما اضطرنا إلى القيام ببعضها عن بعد باستخدام منصّات التواصل مثل "زووم". وقد أجريت مقابلة مع أحد الأسرى هاتفياً. وظلَّ اثنان من الأسرى الذين قابلناهم في عسقلان لمدّة 39 يوماً كمعدّل. ولغاية توثيق المقابلات، استخدمنا تطبيقات لتسجيل الصوت في الهواتف الخلويّة، إضافة إلى الرسوم والمخطّطات التي وضعها الأسرى.

لكل فعل رد فعل

لكلّ فعل ردّ فعل، وبخاصّة داخل السجن.
عملنا ذات يوم على قصّة حول أسيرَين في مركز التوقيف في عسقلان، خاضا تجربتَين مختلفتَين رغم أنّهما كانا موقوفَين في الزنزانة نفسها.
إنَّ الأشياء الصغيرة، واللحظات القصيرة التي عاشها كلّ أسير في ظلِّ هذا الكرب، هي التي تجعل قصصَهم مفجعة. هذه هي الرسالة التي نصبو إلى نقلها إلى الجميع في أصغر تفاصيلها، لكي نبيّن كيف حاول كلّ أسير أن يتعايش مع هذه الظروف المحيطة الصعبة، وأن يتحدّاها بكلّ صلابة. وكلّنا أمل في أن نكون قد تمكنّا من تصوير مشاهد ذاكرة الأسرى، ومعاناتهم، ومخاوفهم، ونقلناها إلى بُعد يمكّننا من الشعور بما كانوا يشعرون به.



ملفات المشروع